بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين والحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف خلقه أجمعين, محمد وآله الطيبين الطاهرين, وصحبه المنتجبين

وبعد

لقد قمت بتصميم هذا الموقع لكي يتسنى لعشاق القرآن المبتدئين تعلم واتقان علم المقامات التي يقرأ بها القرآن. وذلك عن طريق الإستماع إلى دروس الأساتذة المختصين وكذلك الإستماع المكرر إلى مقاطع من آيات الذكر الحكيم المقروءة بمقامات مختلفة, المجموعة في جملة صنع بسحر, وهي: الصبا, النهاوند, العجم, البيات, السيكاه, الحجاز, الرست. و فروع هذه المقامات مثل: الجهاركاه, والكرد, وغيرها. والمواد الموجودة في هذا الموقع مأخوذة من عدد من المواقع والمنتديات في الشابكة. أعد منها - ولا أعددها: موقع ومنتدى قراء القرآن. منتدى مزامير آل داوودقسم الإنشاد الديني لمنتدى زمان الوصل. وكذلك ما يرسله لنا الإخوة الكرام عبر الإيميل

وأرجو من الإخوة الزوار والمتعلمين أن يكونوا, قبل تنزيل أي ملف من الملفات التعليمية, متقنين لأحكام التجويد ومخارج الحروف الصحيحة والقراءة المعربة الصحيحة. فإن من أقبح الأشياء أن يسمع المرء قارئا للقرآن يجيد المقامات ولا يجيد أبسط أحكام التجويد ولا يخرج الحروف من مخارجها الصحيحة. فهذا القارئ كرابع الشعراء: لا تستحي أن تصفعه

 

كلمات عن علم المقامات

في البدء, أود أن أقول بأنني لست متخصصا في علم المقامات. ولا حتى متقنا له. فما زلت طويلبا قليل العلم والخبرة. فأرجو أن يعفو الإخوة المختصون عني إن شطح قلمي, أو كبا فرسي

إن موضوع علم المقامات هو تحسين الصوت (أي صوت كان) وتجويده وتنزيهه من النشاز. قد يكون هذا الصوت صادرا من الحنجرة أو من آلة من الآلات الموسيقية أو الحاسوب. فعلم المقامات لا يختص بالموسيقى والغناء كما يظن الكثير ممن يجهلون أوليات هذا العلم

ولو تفكر هؤلاء وتأملوا لوجدوا أن أول آلة طربية اكتشفها الجنس البشري هي الحبال الصوتية البشرية! لم تكن العود ولا القانون ولا البيانو. بل إن الإنسان القديم أطرب الناس بترجيع صوته فقط. وأزيد على ذلك أن هذا العلم وضع لتقويم وتحسين الصوت البشري في أول الأمر. وبعد أن اخترع الإنسان الآلات الموسيقية المختلفة, وظف هذا العلم لعصم الأصوات الخارجة من تلك الآلات عن النشاز

واعلم أخي القارئ أن أي صوت حسن تسمعه فهو وفق مقام معين, حتى وإن كان مصدر الصوت جاهلا بعلم المقامات! فلا يمكن لإنسان نشأ على سطح هذه الأرض أن يرجع صوته بقرآن أو شعر أو نثر من دون استخدام مقام من المقامات. واعلم أيضا أن النبي حثنا على تحسين أصواتنا عند قراءة القرآن حتى قال في غير موضع: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن". وحديثه مع أبي موسى الأشعري حيث أن رسول الله سمع أبا موسى الأشعري يقرأ القرآن فجعل يستمع إلى قراءته الشجية. فقال له رسول الله: "لو رأيتني وأنا استمع لقراءتك البارحة. لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داوود". فقال أبو موسى الأشعري: "أو كنت تستمع لي يا رسول الله؟" قال: "نعم". فقال أبو موسى الأشعري: "لو أعلم أنك تستمع لي لحبرته تحبيرا

كفى بهذا دليلا على أن النبي والصحابة كانوا يجيدون المقامات ويتقنونها ويقرؤون بها. بل إن رسول الله يأمرنا أن نجود أصواتنا ونحسنها. فهو بذلك يأمرنا, بطريق غير مباشر, أن نتعلم المقامات. لأن القارئ للقرآن لا يمكن له أن يعصم صوته عن النشاز إلا في حالين: أن يكون الله رزقه صوتا يجري على المقامات بالسليقة والطبع والفطرة, فلا يحتاج إلى تعلم هذا العلم ولا تدريب صوته عليه. كمن يرزق موهبة الشعر! فتراه ينظم الشعر ويقوله من دون تعلم علم العروض. أو أن يكون القارئ فاقدا لهذه الموهبة, فيضطر إلى تعلم علم المقامات كي لا ينشز عند قراءة القرآن. فيكون بهذا متبعا أمر الرسول وسنته

ويظن الكثيرون أن طريق تعلم هذا العلم يحتم على الطالب أن يستمع إلى آلات موسيقية محرمة. وليس هذا إلا ظنا مأثوم عليه صاحبه. فلا حاجة لطالب العلم أن يستمع لأي شيء من ذلك. بل الطريقة المتبعة في هذا الموقع وفي جل المواقع الأخرى هي تقليد أصوات القراء الكبار والأساتذة المتقنين من دون موسيقى. والإستزادة من الدروس النظرية والتطبيقات العملية العلمية. وليس في أي من ذلك شيء من الموسيقى أو الطرب المحرم إلخ

 

تمهيد لعلم المقامات

إن الإنسان قادر على اصدار الكثير من الأصوات المختلفة بواسطة حباله الصوتية. فأنت تراه يصدر صوتا محددا في حال فرحه, وصوتا مختلفا في حال حزنه, وصوتا آخر في حال حربه وحماسته. وأنت لو أنعمت الاستماع إلى صوته في حالة من حالاته تلك, لوجدته لا يسير على وتيرة واحدة فحسب. فلو أخذنا صوت حزنه مثلا, لرأيت أنه قد يبدأ بالأنين, ثم يرفع صوته بالبكاء ثم العويل وبعدها يعود للأنين الذي بالكاد يسمع. فيظهر من ذلك أن هناك أكثر من صوت للحزن. وأكثر من صوت للفرح. وأكثر من صوت للحرب والحماسة. وقد يمزج الإنسان بين هذه الأصوات المختلفة, حسب الحالة الوجدانية. ومثل ذلك أن يموت صديق لك وأنت في حال حرب وحماس؟ فيمتزج صوت الحزن مع صوت الحرب والحماسة, ويخرج صوت ثالث. وهكذا تتزاوج الأصوات وتتمازج

وعندما أراد الإنسان أن يضع ضابطا لهذه الأصوات المختلفة كي يجمعها ويعرف كيف تنشأ وكيف السيطرة عليها تولد علم المقامات. فهذا العلم يعلمنا كيف نخرج تلك الأصوات المختلفة من دون نشاز. فهو يعطينا خارطة لكل صوت من تلك الأصوات الوجدانية. وهذه الخارطة تعطينا الأبعاد الصوتية المطلوبة لتحصيل صوت معين. فخارطة صوت الحزن وأبعاده الصوتية تختلف عن خارطة صوت الفرح وأبعاده الصوتية. وقد يحصل أن يلتقي صوتان أو خارطتان في نقطة معينة. وقد يحصل أن تكون خارطة فرع من خارطة أخرى. ونحن إن سلكنا تلك الخارطة بأصواتنا يمكننا أن نخرج الصوت المطلوب من دون نشاز, وهذا هو هدفنا

هذه الخارطات الصوتية التي أشرت إليها هي ما نسميها بالمقامات. فيمكن للمبتدئ أن يعد المقام خارطة صوتية, إذا اتبعها استطاع أن يعصم صوته من النشاز. وإذا أراد مثلا أن يكون صوته صوت فرح, فعليه أن يتبع خارطة محددة. وإن أراد أن يصدر صوتا حزينا, فعليه أن يتبع خارطة غيرها, وهكذا

والمقام يتكون عادة من ثمانية أصوات مختلفة. قد يسميها البعض نغمات, وتسمى أيضا درجات موسيقية ونوتات إلخ...وما هي إلا أسماء لمسمى واحد. ونحن في هذا الموقع سنحاول قدر المستطاع أن نسميها ب"أصوات". ليس ذلك تحرجا من لفظة "نغمات" أو "نوتات", بل لأن لفظة "أصوات" هي أقرب لفهم المتلقي من تلك الألفاظ الأخرى

وبين هذه الأصوات الثمانية مسافات معلومة. هذه المسافات بين أصوات المقام هي التي تحدد روح المقام ونوعه. وبهذا أعني أنها تحدد إذا ما كان المقام مقام فرح أو مقام حزن أو مقام حماسة إلخ... وقد يصعب على الكثيرين استيعاب معنى تلك المسافات. فأنصحهم بالاستماع إلى الدروس الموجودة والأمثلة الكثيرة والبرامج الثقافية النافعة

 

كلمات للقارئ المبتدئ

أول كل شيء, على الطالب أن يعلم أن أصوات الناس مختلفة. بعضهم يمتلك صوتا رفيعا, وبعضهم يمتلك صوتا متينا فخما. بعضهم يمتاز بالقرار والبعض الآخر يمتاز بالجواب وجواب الجواب. فعلى الطالب أن يعلم ما نوع صوته, وما حده. فهل صوته أقرب إلى القرار؟ أو الجواب؟ أو جواب الجواب؟ وهل يستطيع أن يقرأ بالقرار, ويصعد إلى الجواب, ومن ثم إلى جواب الجواب, أم أن صوته محدودا فلا يقدر إلا على القرار والجواب. عليه أن يكتشف خاصية صوته قبل أن يشرع بالتدريب, حتى لا يحمل صوته ما لا طاقة له, فيجرحه ويشوهه

وبعد أن يتعرف الطالب على مقدراته الصوتية, يجدر به أن يجد مقرئا يناسب طبقة صوته, حتى يتمكن من تقليده في بادئ الأمر. فيقوم بالاستماع إلى تحقيق (تجويد) هذا المقرئ أو ترتيله. ويقوم بتقليد قراءته تقليدا أعمى في بادئ الأمر. حتى إذا أجاد ذلك, يقوم الطالب بدراسة المقامات في قراءة مقرئه. فيحاول التمييز بين المقامات المختلفة التي يقرأ بها مقرئه وكيف يربط بين مقام ومقام. ويحاول جاهدا تقليده كي يتقن طريقته في القراءة ويتمكن منها. ثم يقوم بتطبيق هذه المقامات على آيات من القرآن الكريم لم يسبق لمقرئه أن قرأها من قبل. أو يقوم بتطبيق تلك المقامات على بيت من الشعر أو شيء من النثر. وعلى الطالب أن يسجل قراءته ويستمع إليها, حتى يعلم إن كان هناك تقدم في أدائه, أو إن كان هناك نشاز في صوته. وعليه, إن استطاع, أن يعطي قراءته لمقرئ أو أستاذ متمرس في قراءة القرآن وعلم المقامات حتى يوجهه وينصحه

ويجدر بالمتعلم أيضا أن يستمع إلى قراءات القراء الآخرين وخصوصا القراء القدامى أمثال الشيخ مصطفى إسماعيل, والشيخ محمد رفعت, والشيخ المنشاوي والشيخ محمد عمران وغيرهم. ولا بأس بمحاولة تقليدهم أيضا. فهذا يزيد من ثقافة المتعلم المقامية بل ويؤهله للإبداع ولابتكار طريقة في القراءة لم تسلك من قبل